قدَّم مهندس يونانيّ يُدعى فيلو، قائمةً بسبعة "أماكن في العالم ينبغي رؤيتها"، وتُعرَف اليوم بـ"عجائب الدنيا السيع "، كان هذا حوالي عام 225 قبل الميلاد، وهذه العجائب على الترتيب هي: أهرامات الجيزة، تمثال زيوس في أوليمبيا، معبد أرتميس في إفسس، ضريح موسولوس،تمثال عملاق رودس منارة الإسكندرية، والعجيبة الأكثر غموضاً: حدائق بابل المعلّقة.
تقع كل قائمة أمنيات فيلو، باستثناء حدائق بابل المعلقة، في شرق البحر المتوسط أو قريباً منه، أي داخل مجال النفوذ اليوناني في ذلك الوقت. لكنَّ حدائق بابل غريبة ضمن الأمنيات، إذ تقع بعيداً شرقيّ هذا المجال الجغرافي، وتحتاج إلى "رحلةٍ طويلة إلى أراضي الفرس في الجانب القصيّ من نهر الفرات"، على حد تعبير فيلو.
حين كتب فيلو تلك الكلمات كانت بابل والفرس قد انهزمت قبل قرنٍ من الزمان على يد الإسكندر الأكبر، الذي توفي في بابل عام 323 ق. م. وعلى الرغم من توسُّع الثقافة اليونانية شرقاً إلى آسيا الوسطى بسبب توسُّع جيوش الإسكندر، فإنّ حدائق بابل ومعالمها الشهيرة قد صدمت كل الذين قرأوا ما كتبه فيلو باعتبارها عجيبةً ونائيةً للغاية.
كتب فيلو أنَّ الحدائق المعلّقة الإبداعية كانت موجودةً فوق منصةٍ كبيرة من عوارض النخيل المرفوعة على أعمدةٍ حجرية. غُطّيَت هذه التعريشة المكوّنة من عوارض النخيل بطبقةٍ سميكة من التراب، وزُرِعَت كل صنوف الأشجار والأزهار، إنَّه "جهدٌ زراعي مُعلَّق فوق رؤوس الناظرين".
بعيداً عن مظهرها المُعلَّق العجيب، تكمن الطبيعة العجيبة للحدائق، وفقاً لفيلو، في تنوِّعها. فكل صنوف الأزهار أيَّاً ما كانت فإنَّها كانت موجودة هناك. ويثير نظام الري فيها العجب كذلك، فالمياه تصل لكامل الحديقة، وهي تتجمَّع عالياً في العديد من الحاويات الفسيحة لترويها.
فقد وصف عالم الجغرافيا سترابو، والمؤرخ ديودور الصقليّ في القرن الأول قبل الميلاد الحدائق بأنَّها "عجيبة". وترك ديودور، وهو مؤلف يوناني من جزيرة صقلية، واحداً من أكثر التوصيفات للحدائق تفصيلاً في سلسلته التاريخية الضخمة المؤلفة من 40 مجلداً عن تاريخ العالم "Bibliotheca historica"بعد الكثير من الحيرة بشأن روايات فيلو وديودور والروايات الأخرى في القرن الأول قبل الميلاد عن بابل ومعالمها، تتبَّع المؤرخون أوّل المصادر المكتوبة وصولاً إلى الباحثين اليونانيين الذين عملوا خلال عهد الإسكندر الأكبر وبعده مباشرةً، وبالتالي ربما يكونون هم الأقدر على توصيف هذه الحدائق.
فقد اعتمد المؤرّخون المتأخرون على رواياتٍ عن بابل تعود إلى كُتَّابٍ ومؤرخين أقدم. مثل كاليسثينيس، مؤرخ بلاط الإسكندر الأكبر، وحفيد أخت الفيلسوف أرسطو، وقد عاش في القرن الرابع قبل الميلاد.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق