يعتز الموريتانيون بعاداتهم وتقاليدهم، ويبذلون جهدهم في الحفاظ عليها ويحترمونها، وهي عادات مشتركة بينهم مع اختلاف في طريقة تنفيذها، بخاصة في ما يتعلق بمراسم الزواج وطقوسه، وبضيافة الغريب، والزِّيّ، والشاي يمر العرس في موريتانيا حسب بعض المناطق بمراحل متعددة، تبدأ باقتراح سيدة ما على ابنها الزواج، وتقترح عليه فتاة معينة، عادة ما تكون من بنات نفس القبيلة أو الحيّ أو المنطقة، وتذكر له محاسنها ونبل أخلاقها، ورجاحة عقلها، ومستوى احترام والديها للعادات والتقاليد، وحتى نبل إخوتها وأخواتها إن وُجدوا.
والدة العريس هي من تتقدّم لخطبة العروس من أمها، لكن ذلك يتم بطريقة خاصة، تبدأ بشكل غير رسمي، هو عبارة عن جَسّ نبض أهل العروس حول مدى استعدادهم لتلبية الخطبة، وإذا تَأكَّد لها ذلك عبّرَت لهم عن رغبة ابنها "العريس"، وأعطتهم موعداً للتقدم للخطبة رسمياً، ويسمى ذلك محلِّياً "إعطاء اللفظ"، بعدها تستشير والدة العروس والد العروس وإخوتها استشارة يمكن اعتبارها شكلية، لأن قرار تزويج أحد أفراد الأسرة من مسؤوليات وصلاحيات المرأة الموريتانية طبقاً للأعراف والتقاليد في المجتمع الموريتاني، باعتبارها المتفرغة لشؤون المجتمع، والمطّلعة على أحوال الناس وتفاصيل حياتهم ويومياتهم.
تدعو والدة العريس وتجمع أكثر أخواتها وبناتها رزانة وخبرة في العادات التقليدية ليذهبن معها للتقدم للخطبة رسمياً عند أم العروس، بدورها تفعل الأخيرة المثل، وتُقِيم مأدبة فاخرة، لا يحضرها العريس، لأن حضوره قد يُعتبر عيباً يُرَدّ به، ولا تحضرها العروس لحيائها المفتعَل طبقاً للعادات، ويتحدّد خلال هذه المأدبة تاريخ عقد قِران العروسين، ولا يتحدَّد مهر للعروس، فذلك في العادات الموريتانية يُعتبر مذموماً، كي لا يظنّ العريس أن عروسه بيعت له.
قبل عقد القِران تُقام حفلات صاخبة عند بيت أهل العروس تصل أحياناً إلى أسبوع كامل في بعض المناطق، في حين تقتصر في مناطق أخرى على ثلاثة أيام بلياليها، يُستدعَى خلالها موسيقيون لهم طابعهم الخاص، يُطلَق عليهم "بنجه"، وموسيقاهم راقصة مع جُمَل قصيرة تُردَّد، وأحياناً لا يكون لها معنى أو علاقة بالزواج، لكنها موسيقى مثيرة لحماسة الموريتانيات للرقص عليها.
فترة ما قبل عقد القِران تُعتبر من جهةٍ فترة استعداد للعروسين وإقامة العرس، لكنها من جهة أخرى فترة خاصة بتجهيز العروس، فيها يُعتنَى بأكلها وشربها، وتُسمَّن لتبدو في كامل جمالها حسب المواصفات المحلية للجمال الموريتاني التي تُعتبر السمنة إحداها، فالمرأة السمينة -رغم جهود التوعية بخطر السمنة- تحظى بمكانة خاصة في نظر غالبية المجتمع، والسمنة أيضاً تعبِّر عن الترف والسعة في الرزق والسخاء مع النفس.
ويُعقَد القِران في المسجد، ويوكِّل العريس من ينوب عنه من أهله أو أصدقائه، ويسلِّم المَهر نياية عنه أيضاً، ويشترط أهل العروس أن لا زوجة سابقة ولا لاحقة للعريس، وإن تزوج عليها أو كان متزوجاً ولم يخبرها، فيمكنها تطليق نفسها. وبعد عقد القِران تبدأ العروس في وضع الحناء، كما تضع غطاءً مُزركَشاً على رأسها يُسَمَّى "لعروس" حسب اللهجة الحسانية، وتلبس ملحفة سوداء على عكس البلدان العربية التي تلبس العروس فيها ملابس بيضاء.
يأتي العريس منتشياً وهو يلبس زِيّاً تقليديّاً "الدراعة"، وفي عنقه لثام أسود، يأتي برفقة أصدقائه لأخذ عروسه وسط زغاريد النسوة الحاضرات، وترفض صديقات العروس تسليمها له، وهنا يبدأ أصدقاء العريس التدخُّل بالقوة ليُفسِحوا له الطريق ليأخذ عروسه، وفي هذا الصراع غالباً ما تحدث إصابات طفيفة وخلال ليلة الزفة والأيام الثلاثة التي تليها تحاول صديقات العروس ما أمكن تهريب العروس وإخفاءها، وعلى العريس البحث عنها، وتُعتبر عادة الإخفاء طريقة لفرض تلبية مطالب صديقات العروس، التي تكون غالباً مطالب تعجيزية.
تفرض العادات الموريتانية عدم لقاء الصهر، كما تقضي بوضع العمامة عند زيارة الأصهار أو صلتهم، ومن غير المحمود أن يزور العريس بيت أهل زوجته إلا ليلاً، بشرط أن لا يكون والدها موجوداً فيه حينها، ووضع الرجل للثامه وتغطية وجهه في أثناء مقابلته أصهاره يرمز إلى الحياء والتقدير في العادات الموريتانية.
ومن عادات المجتمع الموريتاني الغريبة أن لا تذكر الزوجة اسم زوجها، وتستخدم بدل ذلك أحرفاً، فتناديه بـ"أنت" في حضوره، في حين بينما تتحدث عنه بـ"هُوّ" في غيابه، كما تمنع العادات الموريتانية التدخين واستخدام المرآة، أو تسريح الشعر أمام من هم أكبر سِنّاً، كما تمنع العادات على المرأة أن تلاطف أبناءها أمام أصهارها، وفي بعض المناطق تمتنع عن إرضاع رضيعها أمامهم حتى.
احترام العادات في المجتمع الموريتاني يرفع شأن أصحابه، ويعطيهم في نظر كثيرين مكانة محترمة ويعزِّز ثقتهم بهم، وتُعتبر المرأة الموريتانية أكثر حرصاً من الرجل على احترام العادات والتقاليد، وعلى احترامها وتَمَثُّلها يقول الباحث في التاريخ الموريتاني والمختصّ في التراث أحمد ولد حارود، إن وضع الرجل لثامه وتغطية وجهه في أثناء مقابلته أصهاره يرمز إلى الحياء والتقدير في العادات الموريتانية.
ويعتبر ولد حارود أن العادة تمتاز بطابع الإكراه ولا تُعَلَّل، وأن المجتمع الموريتاني يمكن اعتباره إلى حد ما مجتمعاً أُمُوميّاً، لتميُّزه من المجتمعات الأخرى بتكريم المرأة تكريماً خاصّاً، ومن خلال التاريخ الموريتاني يقول ولد حارود إن كثيراً من المناطق وفروع القبائل سُمّيَت بأسماء نساء معروفات تاريخياً ويضيف ولد حارود أن من العادات الأصيلة في المجتمع الموريتاني احتفال المرأة بطلاقها، واستضافة العريس وأصدقائه من طرف أصهاره، وتُق
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق