لم يحُل تعاقب الأجيال دون تجمع رجال القبيلة والوجهاء في ساحات كبيرة بموريتانيا حول رقعة رملية تحاكي حربا بين مربي المواشي والمزارعين تعرف باسم “ظامت”، ينظر إليها لما تتطلبه من حنكة ومهارة على أنها لعبة الأمراء والنخبة والأذكياء لا تزال لعبة “ظامت” أو الشطرنج الرملي كما يسميها البعض صامدة، رغم غياب التنظيم ومنافسة لعبة الشطرنج بأشكالها الجديدة.
تمارس “ظامت” على الرمل، ويتنافس فيها شخصان، من خلال رسم جدول يضم عددا من المربعات، يتم وضع 40 عودا من الخشب، و40 بعرة من بعر الإبل في هذه المربعات ثم تبدأ المنافسة من خلال خطط وقوانين صارمة واللعبة الأكثر تعقيدا ونخبوية لدى المجتمع الموريتاني عبارة عن حرب متخيلة بين فريقين أحدهما يمثل المنمين (القائمين على تربية المواشي) والآخر يمثل المزارعين، وتحاكي خطط الجنود خلال الحرب وطرق التغلب على الخصم في المعركة، وتنتهي عندما يموت كل جنود الفيلق المنافس أو يتم حبسهم.
“ظامت” لعبة خاصة بالرجال، وتنتشر في جميع أنحاء موريتانيا، ويقال إنها مورست في فترات قديمة بعدد من الأقطار العربية، غير أنها استقرت في موريتانيا بشكلها الحالي وباتت لعبة موريتانية خالصة وللظامت جمهور واسع يشجع المتبارين ويحاول مساعدتهم بالآراء والخطط التي تخوّلهم الانتصار على منافسيهم، ولها أماكن ممارسة ثابتة في شوارع وأحياء العاصمة نواكشوط.
عند ساعات المساء الأولى، يتحلق رجال من كبار السن في وسط العاصمة الموريتانية نواكشوط، إضافة إلى بعض الشباب، من محبي لعبة الظامت الشعبية بشكل يومي أين تحتدم المعارك والمراهنات ويوفر ميدان لعبة الظامت فرصة للقاء يومي بين الجيران إذ يتبادلون أخبار بعضهم من الحاضرين والسؤال عن أحوال الغائبين، وكثيرا ما يتحوّل الميدان إلى منتدى سياسي لنقاش ما يحدث في العالم والبلاد من مستجدات سياسية، وتدور النقاشات الأدبية حيث يتبادلون فيها وجهات النظر والآراء وقراءة القصائد.
يقول بداه ولد كوار، رئيس “الاتحادية الموريتانية لظامت” إن هذه اللعبة تعدّ خاصة بموريتانيا دون غيرها من البلدان العربية والأفريقية والاتحادية الموريتانية لظامت هي جمعية ذات طابع رياضي واجتماعي ترفيهي، تأسست عام 2015، وتعتبر الوحيدة المهتمة بهذه اللعبة في البلاد، وتضم 8 أندية تابعة لها، وينحدر المنتسبون إليها من كافة الولايات، ويقع مقرها الرئيسي في العاصمة نواكشوط.
وأضاف، “هي لعبة مارسها طيلة الحقب الماضية الأمراء والقضاة ورجال النخبة وقادة المجتمع، ما جعلها لعبة القادة والمثقفين والأذكياء بالدرجة الأولى”وتظهر منشورات خاصة بـ”الاتحادية الموريتانية لظامت” أن هذه اللعبة مارسها العديد من الأمراء، من أبرزهم، أمير ولاية تكانت (وسط) عبدالرحمن ولد بكار (1882 / 1982). وتشير المنشورات إلى أن هذا الأمير، كان ذكيا وأديبا وأميرا مشهورا، وكان خبيرا بلعبة “ظامت” أيضا وكذا من أعلام “ظامت” البارزين، عالم الرياضيات الموريتاني المعروف يحيى ولد حامدون (1947 / 2011). وكان باحثا بمركز الأبحاث العلمية بفرنسا، أنتج وحده 100 بحث في مجال الرياضيات واعتبر مبدعا في لعبة الظامت.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق